02/11/2018 - 04:13:34 pm
ازهار ابو سرور .. لم يبق لابنها من موت الا موت الموت...!!! بقلم : عيسى قراقع نائب في المجلس التشريعي رئيس هيئة الاسرى والمحررين سابقا
دفنت والدها هناك في سوريا , الشهيد عبد الحميد ابو سرور الملقب ( ابو غضب ) , والذي ارتقى في غارة اسرائيلية عام 1981 على مواقع الثورة الفلسطينية في لبنان , عادت الى فلسطين تحمل روح والدها الشهيد لتنجب ابنها البكر الذي حمل اسم جده , وليكمل حياته من بعده على ارض الوطن , وليكمل مسيرة شعب محمول على تابوت في كل الجهات , العمر المقتول في المنافي يزهر عمرا اخر هنا , ففلسطين ولدت من سطوة الغياب , والشهداء يعودون دائما ويتبادلون ارواحهم في اشتباك المسافات .
هي ازهار ابو سرور ام الشهيد عبد الحميد 19 عاما الذي ارتقى شهيدا يوم 18/4/2016 في القدس , وهو يعتبر اقدم شهيد فلسطيني محتجز لدى سلطات الاحتلال الاسرائيلي منذ اندلاع هبة القدس في تشرين اول عام 2015 , ترك مائدة الغداء وودع والديه وشقيقته الصغيرة " شام " ذات العامين والتي يحبها كثيرا ودخل القدس من بواباتها السبع رغم الحواجز ونقاط التفتيش والكاميرات والبوابات الألكترونية والهجمة المسعورة من المستوطنين المتطرفين على المقدسات في المدينة , لم يعد عبد الحميد الى المنزل , لم يقرع الباب , واذا ما قرع تقفز الطفلة شام وتهرع بسرعة معتقدة ان شقيقها عبد الحميد قد عاد .
منذ استشهاد ابنها وازهار لا تهدا , تشارك في كل الفعاليات والاعتصامات واللقاءات , تطلق صوتها عاليا وتنادي على ابنها الشهيد , تنادي على الضمير العالمي من اجل ان يعود الشهداء الى بيوتهم مكتملين سالمين ساكنين مع ارواحهم دون غياب او نقصان
ما اثقل الايام , ازهار لا تلتفت الى عقارب الزمن , لا تنام , من يغسل الموتى الان ؟ اجابوها : الميت يغسل نفسه بدمه الفائض عن الماء , صوت الماء هو الحرية , لم تصدق ازهار لانها ترى عيني ولدها مفتوحتين برجاء على السماء , وهي التي تسمع احلامه الكبيرة تطير في فناء البيت ...
الشهيد الشاب عبد الحميد قتلوه مرات ومرات , حرقوه وعبأوا انفاسه بالدخان , جمدوا جسمه في الثلاجات , وعندما ارتفعت حرارة روحه وذاب الثلج وتحركت يداه , سارعوا بنقله ودفنه سرا في ما يسمى مقابر الارقام العسكرية , شطبوا اسمه واستبدلوه برقم ولا زالوا متوجسين , يراقبون القبر , خائفون ان ينهض الشهيد من تحت التراب , يراقبون الاشارات . شجرة رمان تنمو فوق القبر , هدهد ينقر ويغني ويقفز ويعلن ان المدفونين اعلنوا ثورة تحت التراب .
ازهار ابو سرور حفرت قبر ولدها بيديها , رشته بالحناء وماء الورد , مسدت التراب وزرعت حوله الازهار , ما اجمل القبر , وما احلى ليلة الزفاف الى قبر يبتسم فاغر الفاه مشبع بالبياض, هي تجلس عند القبر , تنتظر , واذا عاد ابنها ستقول له ما زلت اريدك , وعندما تحيا ثانية اريدك ان تكلمني وتعانقني .
ما هذه المراة التي تريد ان ترى الموت ؟ وعندما نسالها تقول : لا اريد لابني من موت الا موت الموت , سيخرج من موته وجسده , روح الشهيد دائما تعود الى اوله , فالموت لا يوجع الموتى بل يوجع الاحياء .
لا زال اكثر من 252 شهيدا محتجزا لدى سلطات الاحتلال الاسرائيلي بعضهم منذ ستينات القرن الماضي وحتى اليوم , ترفض سلطات الاحتلال الافراج عن جثامينهم وتسليمها لعوائلهم , ويعتبر ذلك جريمة ضد الانسانية , وعقاب جماعي وجزء من منظومة الانتهاكات الجسيمة المنظمة ضد القانون الدولي الانساني وضد حقوق شعبنا العادلة .
ازهار ابو سرور طرقت ابواب كل المؤسسات المحلية والدولية واروقة المحاكم والقضاء , حاولت ان تحرر النصوص والمواثيق الدولية من جمودها وسكونها مطالبة ان يتحرك العالم ويسمع نبضات عروق الشهداء في ارضنا الحية , وامام مجلس حقوق الانسان في جنيف قالت : من قبر الى قبر , ومن مذبحة الى مذبحة , ومن سجن الى سجن , يساق شعبي وينهض من بين الظلمات والانقاض , يرفع شارة النصر , يرفع الاعراس , فللشهداء احفاد , وللموت انفاس .
هذه الام ليس لها امنية سوى ان تمشي في جنازة ابنها , تحتضن رفاته وتقول له : الحمد لله على سلامتك يا ابني الحبيب , هنيئا لك بالافراج والحرية , ها قد عدت اخيرا , اشتقنا اليك يا ولدي , لا تلتفت ازهار الى اسئلة الناس المدهوشين , من الذي تحرر الموت ام الميت ؟؟
ازهار ابو سرور تقتحم ساحات الاعدامات والتصفية الميدانية التعسفية خارج نطاق القضاء والتي صارت ظاهرة روتينية يقوم بها جنود الاحتلال , اعدامات في الشوارع وعلى الارصفة , اعدامات في السجون وعلى الحواجز العسكرية وفي غرف النوم وعلى سجادة الصلاة , صوتها يوجع العالم وهي تفضح جرائم دولة الاحتلال الوحشية .
تسال ازهار : ما هذه الدولة التي تفتخر بالقناصة والمجرمين وتوزع عليهم الاوسمة ؟ توفر لهم الحماية والحصانة والدعم والتشجيع , دولة مافيا تحتجز الميت بعد الموت , تخفي ملابسه وحاجياته الخاصة , لا تبرز اي وثيقة او تقرير , تعتقل كل شيء في البعيد والنسيان , هي دولة يعترف احد قادتها وهو يهودا باراك انه قتل 300 فلسطيني خلال ثلاثة دقائق ونصف , وتعترف شرطتها انها اعدمت 200 فلسطيني في الفترة الواقعة بين 2015 – 2017 , ازهار تمسك رقبة الموت , تواجه سياسة الاعدامات في الدنيا وتواجه سياسة اعدام الشهداء واختفائهم القسري في ابديتهم الخالدة
ازهار ابو سرور تقتحم البرلمانات الدولية , ما هذه الدولة التي تشرع قوانين عنصرية تجيز احتجاز جثامين الشهداء بغرض المساومة والمبادلة ؟ افتحوا القبور , اجساد سرقوا اعضاء منها وتاجروا بها , افتحوا القبور كي تشعروا انكم احياء لمرة واحدة .
ازهار ابو سرور هي الُمشِيع والمُشَيع , هل مات العالم ؟ لا غضب , لا ذكرى , لا حلم , لا ماضي , لا غد , لا سلام , لا حرب , تمتشق ازهار ضلعا من ضلوع ولدها وتكسر هذا السكون المطلق , لا مساومة على الدم , لا مجال للصمت امام تشريع الجريمة وحماية المجرمين .
ازهار ابو سرور لا تريد لابنها من موت الا موت الموت , والموت عندما يخرج من الموت يصير ولادة , فالشهيد لم يكن في صراع مع الموت , كان في صراع على الحرية , وكما قال محمود درويش :
وكم مرة
سيولد في ابنه الوالد
وتحمل غابة بذرة
هي الثورة
هي الثورة
الكتابات والمواضيع المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع وانما تعبر عن رأي كاتبها والمسؤولية القانونية يتحملها الكاتب . للتواصل مع موقع القرية نت . عنوان بريدinfo@alqaria.net / هاتف رقم:0507224941