25/05/2020 - 10:27:00 pm
معركة ذي قار ندهتها محمد يا منصور ... !!!! بقلم : الاستاذ محمود صرصور ابو علاء
الجزيرة العربية قبل البعثة، كانت تعيش مستنقعا من الدماء غذته المناحرات والتشرذم بين القبائل العربية ، كحرب البسوس وحرب داحس والغبراء، التي على الأخضر قبل اليابس، وبذلك انشطر العرب في ولائهم الى الفرس والروم.
ودار دولاب الزمن دورته القدرية ، حيث النعمان بن المنذر الذي ولّاه كسرى ملك الملوك في تلك الفترة مُلك الحيرة، وألبسه عباءة مَلِك العرب، ليكون بذلك العصا التي يضرب بهاالأكاسرة كل من يشقّ عصا الطاعة لبلاد فارس.
ولعلّ النظرة الدونيّة من قِبل كسرى للعرب جمعاء ، دفعت كسرى بالتطاول والذهاب إلى أبعد الحدود، حينما طلب من النعمان بن المنذر أن يبعث ببناته وبنات إخوته وعلى رأسهن هند بنت النعمان، ليصبحن جاريات تحلو بهنّ مجالس الأنس والسمر في بلاط كسرى.
أمّا النعمان بن المنذر ، فقد أخذته الحميّة العربية والدفاع عن الشرف والكرامة أن يرفض طلب كسرى، وهو على يقين أنّ هذا الرفض سيكلّفه ذهاب مُلكه بل ذهاب روحه. النعمان بن المنذر طاف على كل القبائل العربية آنذاك ، ليجد له من يُجيره ويقف إلى جانبه في هذه المحنة العصيبة.
وبدافع النخوة والشرف والمروءة العربية وجد النعمان هذه الإجارة عند الشيخ هانئ شيخ قبيلة بني شيبان من بكر وائل. كانت وديعة النعمان عند الشيخ هانئ بناته وبنات آل المنذر وعتاده وسلاحه. النعمان بن المنذر لبّى نداء كسرى للحضور إلى المدائن ، وهو على يقين أنّ هذه الدعوة مذلّة العرب وإهانتهم، ولكن النعمان دافع عن هذه المذلة بكل قوة وصلابة ، حين اندفعت فيلة كسرى تجاهه ، وهو مصفّد على الارض لتدوسه وتسوّي جسده بالارض.
كان النعمان اكبر من قاتليه ، وأكرم من جاحديه . أشاح كثير من الحضور بوجوههم ، وأغمضوا أعينهم كي لا تحفظ ذاكرتهم هذه اللحظات المفزعة. أما النعمان فلم يرفّ له جفن واحد ، بقيت عيناه مفتوحتين تتطلعان إلى السماء، إلى الشمس. وفي تلك الرؤية الأخيرة ، لم يرَ شيئا من عتمة أيامه الحالكة ، لكنّه رأى نورا ساطعا، ولعلّه نور القادسية بعد ردح من الزمن. انطوت قامته لكنّ هامته ظلّت شامخة. لفظ أنفاسه الأخيرة ، لكنّ روحه ظلت حيّة ، وكانت شقائق النعمان تتلوّن بلون دمه، لتكوّن زهرة الزمان.
بنو شيبان استطاعوا أن يجمعوا من حولهم القبائل العربيّة لمواجهة الفرس في ذي قار، ليس حبّا في النعمان ، وإنّما تلبية لنداء الشرف والكرامة والشهامة والنخوة.
ولعلّ رأي هند بنت النعمان أن تكون راية الحرب في ذي قار ضد جحافل الفرس تحمل الوانا متنافرة الأحمر ، الاخضر ، الأبيض والأسود هو رمز لوحدة القبائل العربية المتنافرة ،
التي أنهكتهم الحروب فأصبحوا طرائد قنص سهلة لإرادة الفرس. والأهم من كل ذلك أنّ ندهة العرب في هذه المعركة " يا محمد يا منصور" . أضف إلى ذلك أن رجالات الحرب شحذوا الهمم وشدّوا من العزائم بكلمات نارية أثارت فيهم الحميّة . ولعل بعض هذه الكلمات سطّرها التاريخ بمداد من الذهب ومنها: " إن الصبر من أسباب الظفر ، وإنّ استقبال الموت خير من استدباره ، وإن الطعن في ثغر النحور أكرم منه في الأعجاز والدبور ، فقاتلوا فما للمنايا من بدّ".
وعندما وصل نبأ ذي قار لمسامع كسرى انتفض مصدوما فقال: أيّ جيش هذا يُقتل القائدان ويُبدّد الجيش أمام شراذم العرب؟! أحد بطانته ردّ عليه قائلا : لقد استهنّا بهؤلاء العرب وبالغنا في التهوين من أمرهم ، وقد ثبت أنهم ليسوا كذلك. هدّدناهم وتوعّدناهم وهم ضعاف، فشدّ التهديد والوعيد من عزمهم. أردنا أن نستفرد بقبيلة منهم فجمع الخطر القبائل العربية حولهم كالسوار بالمعصم.
وكانت النصيحة من أحدهم لكسرى ، إن كنت تُريد أن تهزم العرب ، وتخضعهم لسلطتك أو تستأصلهم فلا تدع لهم فرصة أن يكونوا فيها متّحدين ، ليبقوا متنافرين يحارب بعضهم بعضا.
والأجدر من كل ذلك عندما وصلت أخبار ذي قار للرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: هذا أوّل نصر انتصفت فيه العرب من العجم ، وبي نُصروا حيث ندهتهم في هذه الحرب على حنجرة رجل واحد " يا محمد يا منصور".
أمّا بشأن هند بنت النعمان ، فقد عاشت بقيّة حياتها في صومعة منعزلة عاكفة فيها حتى شاخت ، وحين كان خالد بن الوليد في الطريق إليها ليدعوَها إلى الإسلام ، جاءتها المنيّة قبل ذلك.
معركة " ذي قار" ندهتها يا محمد يا منصور بقلم الاستاذ محمود صرصور.
الكتابات والمواضيع المنشورة في الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع وانما تعبر عن رأي كاتبها والمسؤولية القانونية يتحملها الكاتب . للتواصل مع موقع القرية نت . عنوان بريدinfo@alqaria.net / هاتف رقم:0507224941